هناك الكثير من انواع الخدمة ومنها :
خدمة اولاد الشوارع :
اذكر أن هذا الأمر قد هز عاطفتي جداً في الأربعينات ، و أنا خادم ... و قلت في ذلك الوقت لزملائي : إننا نخدم الأطفال الذين في المدارس ، و الذين يلبسون ملابس نظيفة ، و ننسي خدمة الأولاد " الغلابة " . و أتذكر إنني وقتذاك جمعت لنفسي فصلاً جديداً لخدمته ...و كان فصلي هذا من أولاد الشوارع ، و من بائعي الليمون ، و ماسحي الأحذية ،و أطفال اَخرين يقفزون علي الشمال في الترام ، و أحياناً يقذفون الجمعية بالطوب . و اهتممت بهؤلاء الأولاد روحياً ، و كنت أحبهم جداً .. و شاءت الظروف أن أنتقل إلي خدمة في منطقة أخري و هي أحد الأيام و أنا سائر بالقرب من " حكر عزت " قفز أحد الصبيان الصغار من محل ماسح أحذية و جري نحوي يسلم علي في محبة و هو يقول " أنا تلميذك " ... اذكر هذه القصة فتنفعل مشاعري في داخلي . ما أحوج هؤلاء إلي الفتات الساقط من خدمتك ... بينما اَخرون متخمون بخدمات مركزة !! إن الذين يعيشون في الحواري و الأزقة و القري ، هم يحتاجون أكثر ... فالذي يسكن في الشارع الكبير قد يجد كثيرين يخدمونه ، أما الذي يسكن في " العطفة " ، , الدرب ، و الزقاق ، فربما يكون من الذين ليس لهم أحد يذكرهم ... لذلك ما أجمل ما فعله أخوتنا الذين كرسوا جهودهم لخدمة أحياء الزبالين ،و بعض الأحياء الشعبية الأخرى في القاهرة . و ما أجمل الذين يجمعون الأطفال الفقراء من الطرقات ، و أولاد الصناع و العمال و الكنائس و الذين لا عمل لهم و يوصلون إليهم كلمة الله التي يوصلوها إلي أولاد الأغنياء ... جميلة تلك العبارة التي وردت في الدسقولية عن الراعي أنه يجب أن " يهتم بكل أحد ليخلصه " . لذلك سررت لما قال لي أحد الآباء الكهنة إنه سيقيم قداساً كل يوم إثنين فسألته لماذا ؟ فقال " من أجل الحلاقين و أصحاب وظائف أخري ... عطلتهم هي في هذا اليوم . و آخرون من أصحاب النوبتجيات لا يجدون فراغاً إلا في يوم معين . و من المفروض في الكنيسة أن توفر الرعاية لكل أحد و من بين هؤلاء ، نذكر :
خدمة الشباب المنحرف :
إننا – للأسف الشديد – نهتم فقط بالشباب الذي يأتي إلينا في الكنيسة في إجتماعات الشبان ، أو مدارس التربية الكنسية ، أو في الأنشطة و الخدمات و نكتفي بهذا . و يندر أن تكون لنا خدمة وسط الشباب الذي يتسكع في الطرقات ، أو يضيع وقته في الملاهي و في المقاهي و الذي يدل شكله ولبسه و حديثه علي أنه بعيد تماماً عن الكنيسة . أمثال هذا الشباب ، هو من النوع الذي ليس له أحد يذكره ، بل بالأكثر قد يوجد متدينون يحتقرونه و يرفضون حتى الحديث معه ... كيف يخلص هؤلاء إذن ؟ أليسوا هم أيضاً محتاجين إلي رعاية ؟! إن الأسقف حينما يرسم علي إيبارشية ، إنما يرسم عليها كلها ، و ليس سيامته من أجل الصالحين فيها فقط ، المترددين علي الكنيسة ن إنما من أجل الكل . عمله أن يطلب و يخلص ما قد هلك 0 لو 19 : 10 ) كما فعل سيده و تحت عنوان ط ما قد هلك " ، تدخل فئات كثيرة من الذين ليس لهم أحد يذكرهم : طلبة شطبهم خدام التربية الكنسية من قوائمهم لكثرة غيابهم . و عائلات أعتبرها الآباء الكهنة أنها ليست من أولاد الكنسية بسبب سلوكها . ألوان عديدة من المنحرفين الذين يفضل كل الخدام البعد عنهم خوفاً ، أو حرصاً أو عجزاً ، أو ياساً ...! ليس لهم أحد يذكرهم . ما أخطر أن يوجد إنسان ، تيأس منه الكنيسة ، أو تنساه ، أو تتجاهله أو تحتقره ، أو تطرده ، أو تعتبره من أهل العالم !
نتحدث عن نوع اَخر من الذين ليس لهم أحد يذكرهم ، و هو :
خدمة المنسيون فى الافتقاد :
قد توجد عائلات في السكندرية أو في القاهرة ،تمر عليها سنوات عديدة لا يزروها أحد من الآباء الكهنة . و لا تهتم الكنسية بهؤلاء ، إلي أن يهتم بهم الشيطان و يفتقدهم ! و حينئذ تبدأ الكنيسة تتعرف إلي أحدهم في قضية طلاق ، أو في حادث إرتداد. و كان السبب في كل هذا ن أن هؤلاء ليس لهم أحد يذكرهم ، مع أنهم ليسوا في قري فقيرة أو نائية ، و إنما هم في القلب العاصمة !
نحن أحياناً لا نهتم بالحالة ، إلا بعد أن تصل غلي أسوأ درجاتها و لو ذكرناها في بادئ الأمر ، ما كنا نحزن في نهايته ... لست اقصد بالذين ليس لهم أحد يذكرهم ، المحتاجين إلي الرعاية في مجاهل أفريقيا ، أو الهنود الحمر في أمريكا ن مع حاجة كل هؤلاء بلا شك !
إنما اقصد " الهنود الحمر ط في قلب العاصمة ، أو في قلب المدينة العامرة و ربما قريباً من الكنيسة ! إن التخصص في خدمة " الضالين " أمر لازم في الرعاية ... بلا شك كانت المرأة السامرية واحدة من الذين ليس لهم أحد يذكرهم ، و كذلك زكا العشار ، و متي العشار ، و آخرون و قد قال السيد المسيح " لا يحتاج الأصحاء إلي طبيب بل المرضي " . فهل يمكن أن يتخصص بعض الخدام في مثل هذه الخدمة ؟
هناك نوع من الخدام كنا نسميهم " خدام الحالات الصعبة " .
خدمة الحالات الصعبة :
كانوا يذهبون إلي الحالات التي تبدو معقدة ، التي وصلت إلي أسوأ درجاتها . و مع ذلك لم يفقد الخادم الأمل منها . الحالات التي قد لا تقبل الخدام و قد تطردهم ، أو التي لا تقبل كلاماً و لا إقناعاً ، و تصل إلي لون من الإصرار و العناد يدفع إلي اليأس ... هذه الحالات بالنسبة إلي كنائس أخري ، كانوا يتركونها يائسين ، و ينفضون أيديهم منها ، و تبقي ضمن الذين ليس لهم أحد يذكرهم ... أما خدام الحالات الصعبة ، فكانوا يفتقدون هذه الحالات ، ولو في آخر رمق ، و هم متالمون لأن الحالة لم تكن قد افتقدت منذ البدء إن الخدمة الصعبة لها اجر أكبر عند الله ن لن الخادم يتعب فيها ن و الله لا ينسي تعب المحبة ... دعوة يوسف الرامي لخدمة السيد المسيح أمر سهل ن و لكن من الصعب أن تدعو رجلاً كزكا . فرق بين أن تدعو إنساناً كيوحنا الحبيب إلي إجتماع ، أن تدعو اَخر كشاول الطرسوسي ... سهل ان تفتقد العائلات المنحلة و التعب في حل مشاكلها و مصالحة المتخاصمين فيها إن الأجر الكبير ليس لمن يزرع الأرض الجيدة ن إنما لمن يستصلح الأراضي البور و الأراضي المالحة ، و يحولها إلي أرض زراعية جيدة . فتلك الأراضي البور ربما كانت لمدة طويلة من النوع الذي ليس له أحد يذكره بسبب صعوبة العمل فيها .
هناك طائفة أخري نذكرها و هي :
خدمة المسجونين :
المساجين يحتاجون غلي عناية خاصة تعيد إليهم كيانهم و معنوياتهم ، وتعيدهم غلي الله و إلي الحياة النقية معه ، سواء و هم في السجن ن او بعد خروجهم منه . و كثيرون يرون المساجين من الحالات الصعبة ، فلا يفكرون في خدمتهم ، و يتركونهم ضمن الذين ليسلهم أحد يذكرهم ... اذكر شاباً كان محكوماً عليه بالإعدام منذ حوالي ثلاثين عاماً . وزاره الفاضل المتنيح القمص ميخائيل إبراهيم و استطاع أن يقوده إلي التوبة و الإعتراف و إلي الإستعداد للموت . و عاش الفترة السابقة لإعدامه في حياة طيبة مع الله والناس ، و في سلام قلبي عجيب و كان محبوباً جداً من كل أسرة السجن التي تعاملت معه . و لاقي الموت بفرح و ذهب إلي المشنقة و هو يحيي و يداعب الذين حوله ، و بكي عليه ضابط و موظفين السجن ... هذا الشاب وجد قلباً يذكره ، و هو تحت حكم الإعدام . و ظل هذا القلب إلي جواره إلي أن لاقي ربه في سلام و الإبتسامة علي شفتيه . إن المسجون الذي لا تستطيع أن تنقذ رقبته من المشنقة ، قد تستطيع من ناحية اخري أن تنقذ نفسه من الجحيم ...حقاً ما هي الخدمة الروحية التي نقدمها نحن إلي هؤلاء المسجونين ؟ بل ما هي الخدمة الإجتماعية التي يلاقيها المسجون بعد خروجه من السجن . علي ان هناك نقطة هامة جداً في هذا الموضوع وهي :
خدمة أسرات المسجونين . و بخاصة أولئك الذين سجن عائلهم ، و اصبحت الأسرة مهددة تماماً بالإنهيار المالي و المعنوي . هل وجدت خدمة منظمة ثابتة لمثال هذه العائلات ، و تعهدتها بالعناية و الإفتقاد و المعونة ؟ حرصاً عليها من التفكك و من الضياع ، و خوفاً عليها من افنهيار افجتماعي أو الخلقي ، و سداداً لكل إحتياجاتهم المالية ...؟ أم أمثال هذه العائلات ، تدخل تحت عنوان :
الذين ليس لهم أحد يذكرهم .
مجموعة أخري من الناس ، نحب أن نوجه الأنظار إلي خدمتهم روحياً وهم :
خدمة الفقراء و المحتاجين :
لست اقصد من يذكرهم مادياً ، فكثيرون يذكرونهم ، إنما أقصد بالذات خدمتهم روحياً ...
توجد مكاتب للخدمة الإجتماعية في البطريركية و في المطرانيات و في جميع الكنائس ، تقدم معونات مالية و عينية لهؤلاء ، و تساعدهم علي أن يجدوا لهم عملاً و مصدراً للرزق . و هذا حسن جداً ، و نرجو أن يصل إلي صورته الكاملة و لكن المشكلة ليست هنا . و إنما هي هذه :
ما أكثر ما يأتي الفقراء إلي مكاتب الخدمة الإجتماعية ، بأساليب من الكذب و الخداع و الإحتيال .و قد نعطيهم حاجتهم المادية ،و تبقي نفوسهم ضائعة
و علي الرغم من المساعدات التي تقدم لهم ، هم لا يزالون من الناحية الروحية ضمن الذين ليس لهم أحد يذكرهم ...
و بعض الكنائس تقيم لهم إجتماعاً روحياً ، ينظر إليه بعض الفقراء كمجرد مقدمة للمعونة ... و لا يكون له العمق الذي يغير حياتهم ، و يقودهم إلي التوبة و يبعدهم عن الكذب و الإحتيال ... فعلي مراكز الخدمة الإجتماعية أن تعرف أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان " ( مت 4 : 4 ) . و إنهم كما يفحصون الحالة الإجتماعية لمن يأخذ معونة مالية ، عليهم أن يهتموا بالمحتاجين من جهة روحياتهم ، لكي يقودهم إلي حياة أفضل .. و إن كان هذا يحدث بالنسبة إلي من يتقاضون معونات شهرية ثابتة ، فهل يحدث هذا الإهتمام الروحي أيضاً للحالات الطارئة التي تأخذ معونة و تمضي ، و لا تعرف الكنيسة شيئاً عنها بعد ذلك ؟
يمكن أن نضم إلي هؤلاء مجموعات أخري و هي :
خدمة الملاجى والمعاقين :
نفس الوضع : ربما أهم ما تقدم لهؤلاء ، هي العناية المادية و الإجتماعية و قد يبقون من الناحية الروحية و النفسية ضمن الذين ليس لهم أحد يذكرهم . و كثيراً ما تقدم لهؤلاء العناية العلمية و التأهيل المهني و الوظيفي ، و البحث لهم عن عمل . و وسط التركيز الشديد علي هذا الأمر ، يبقي هؤلاء محتاجين إلي عمل روحي كبير ، لكي ينجوا من العقد النفسية ، و يتربوا التربية الروحية الصالحة ، التي يجدون فيها الحب و الحنان و المعاملة الطيبة ،و الصلة القوية بالله . و مع العناية باللاجئين ، قد تبقي أسراتهم ضمن الذين لا أحد يذكرهم كل ما يستطيع الملجأ أن يقدمه ، هو أن يتلقي الطفل اللاجئ مع أسرته و قد لا يفكر بعد ذلك في هذه الأسرة و كيف تعيش مادياً و روحياً ؟ و ما الخدمة التي يمكن تقديمها لها ؟
مجموعة أخري قد لا توجد من يهتم بها روحياً و هي :
خدمة المرضى :
غالبية إهتمامنا بالمرضي يتركز في حالتهم الصحية . أما من الناحية الروحية ، فليس من أحد يذكرهم و قد يكون إنسان في مرض خطير ، و بينه و بين الموت خطوات قصيرة . و مع ذلك لا يهتم أحد بابديته ، و لا يعده لها . بل كثيراً ما يحيطه الكل بالأكاذيب مخفين عنه مرضه ن حتي لا يتعب نفسياً . و قد يحيطونه بالتسليات العالمية أيضاً .. و قد يجلس الزوار و الأقارب حول المريض ، إلي ساعات طويلة ، في أحاديث مستمرة يسلونه بها ، دون أن يعطوه فرصة للصلاة و التوبة ... لماذا لا يوجد خدام روحيون متخصصون في زيارة المرضي ، يعرفون كيف يتحدثون معهم حديثاً روحياً و نفسياً ، و يهتمون بأبدية الذين قد قرب رحيلهم لكي يعدوهم لهذا الرحيل ، فتخلص نفوسهم في ذلك اليوم ؟
كلمتكم في هذا المقال عن الفقراء و المحتاجين ، و عن المرضي و المساجين ، و الشبان المتسكعين