7
(على شاطىء الوحدة)
بعدما تركوا الصحراء وأثناء سيرهم اعترض الطريق الرئيسى طريق اخر مقاطع فأشار اليها رئيس الرعاة :"هذا هو الطريق الذى يجب ان تسلكية الآن".وعندما بدأوا السير فية كانت ظهورهم للمرتفعات ومشوا حتى وصلوا الى شاطىء بحر واسع كبير.
-رئيس الرعاة :"الآن حان الوقت لأتركك يا خوافة وأذهب ولكن تذكرى أنة حتى لو بدا أنك تبتعدين عن المرتفعات وعنى...لكن فى الحقيقة لا يوجد مسافات بيننا نهائياً لأنى سأكون بجانبك عندما تطلبيننى ..ثقى فى هذا،خرافى تسمع صوتى وتتبعنى ..عندما تنوين تنفيذ ارادتى ستجدين أنك تستطيعين أن تسمعى صوتى وعندما تسمعين يجب أن تطيعى حتى لو طلبت منك ما يبدو مستحيلاً".
مشت خوافة مع رفيقتيها لعدة أيام وفكرت فى نفسها أنها لم تكن تعرف معنى الوحدة حتى الآن ..فلم يوجد معها أى أحد من أصدقائها ..حتى المرتفعات لم تعد تراها ..لم يتواجد شىء سوى صحراء جرداء على ناحية،وبحر شاسع على الاخرى..لم تتواجد شجرة أو أى شىء أخضر..الكائنات الحية الوحيدة كانت طيور النورس فى السماء و الكابوريا فى شقوق الرمال.
فى تلك الايام لم تترك خوافة أيدى رفيقتيها أبداً وكان عجيباًمقدار مساعدتهما لها والأعجب من هذا أن العرج الواضح فى سيرها تلاشى تقريباً لأن درس الطاعة الذى تعلمتة فى صحراء مصر ترك أثراً عليها معلناً بداية مرحلة جديدة فى حياتها ...،انها مازالت خوافة ولكن علامة الطاعة ختمت على جبينها ختم الملوكية...وهكذا مرت الايام ...لم تكن خوافة تتذمر أو تشكو بل كانت تشعر بسعادة غريبة بل انها بدأت تلاحظ جمال الطبيعة من حولها.وذات يوم وصلوا الى استراحة مبنية على صخور عالية تطل على الشاطىء واستقبلهم شيخ من خدام الراعى وعلى محياة وقار عجيب وقد ارتسمت على وجهة بساطة الطفولة أما شفتاة فلا تفارقهما البشاشة قط.
رحب بهم بحرارة وقال:"لقد كنت فى انتظارك يا خوافة ..فما هى اخبارك؟".جلست خوافة معة على انفراد وأخبرتة بكل ما حدث لها حتى تلك اللحظة وعندما انتهت شجعها الشيخ قائلاً:"ان محبتك لرئيس الرعاة هى سندك فى التجارب...ثقى أنت أيضاً فى محبتة لك ولا تجزعى لأنة معك ويرعاك".بعد هذا قدم لها الشيخ الوقور خبراً لتأكل و كأساً من عصير الكرمة لتشرب ...فتقوت وانتعشت.
وبعد فترة ذهبت خوافة للتجول وحدها ...صعدت الى اعلى الصخور وعندما وصلت الى حافتها وجدت أنها تقف على سقف كهف داخل البحر...كان الكهف فارغاً ...لكن بعد عدة ساعات جاءت مياة المد وملأتة فخرت خوافة على ركبتيها وقدمت ذبيحة ثالثة قائلة:"أشكرك يا سيدى أنك قدتنى الى هنا ...فانا مثل هذا الكهف الفارغ منتظرة وعدك بالأمتلاء"ثم أخذت حجرة ووضعتها مع السابقتين.
+ + +
عندما لم يعد "كبرياء"مع فريستة الى قرية الاضطراب فهمت عائلة الخوف انة اخفق فى مهمتة ولكن كبرياءة يمنعة من الاعتراف بفشلة.
فقرروا ارسال مجموعة ثانية لتلحق بخوافة قبل وصولها حيث تصبح بعيدة عن أيديهم...أرسلوا جواسيس جاءوا واخبروهم أن خوافة تسير فى طريق على شاطىء الوحدة .
ففرحوا جداً وظنوا أنة من السهل ارجاعها فبعثوا ب "ندم" و "مرارة" و "شفقة على النفس" وذهب معهم "كبرياء" ايضاً.
وصل اعداء خوافة الى حيث هى تمكث وبدأت معركة حامية جداً بينهم...أدركوا أن خوافة لم تعد خوافة كما كانت ...فلم يقدروا أن يقتربوا منها لأنها كانت تمسك بيد أشجان وألآم لذلك ظلوا ينادون عليها يقترحون عليها اقتراحات سخيفة ويحاولون اخافتها ،فقال لها كبرياء:"ألم أقل لك هذا؟أين انت الآن من المرتفعات...كل الناس فى وادى المذلة يعرفون أنك تسيرين على شاطىء الوحدة و يسخرون منك".
-ندم:"هل تعرفين يا خوافة أنك عبيطة...كيف تتبعين من يطلب منك كل هذة التضحيات ولا يعطيك سوى الحزن والألم والسخرية..دافعى عن نفسك!!طالبى بحقوقك!!أو ارجعى عن هذة الرحلة السخيفة".
-وأضاف مرارة :"كلما اطعتية يطلب منك أكثر..انة ينتهز طيبتك ..ولكن كل ما طلبة منك لا يعد شيئاً لما طلبة من أخرين ..انة يجعل أحباءة وأتباعة يضطهدون ويعذبون بل ويسفكون دماءهم من أجلة ...هل تقدرين على هذا؟..اهربى الآن قبل أن يضع عليك صليب ويتركك تحملينة وحدك"
أما الشفقة على النفس فكان أسوأهم..كانت كلماتة تجعل خوافة تشعر بالضعف الشديد "يا مسكينة انك مخطئة جدا ..ولكن هل تظنى أنة فعلاًُ يحبك ليتركك هكذا؟...لك الحق أن تشفقى على نفسك .حتى ولو عندك استعداد لبذل ذاتك فيجب أن تظهرية للناس حتى يشفقوا عليك بدلاً من أن يسخروا منك ولكن يبدو أن الذى تتبعينة يجد مسرتة فى أن يسحقك ويجرحك".
كانت كلمة "يسحقك" خطأ من الشفقة على النفس اذ جعلت خوافة تتذكر الدقيق المسحوق الذى رأتة فى المغارة فى صحراء مصر وتذكرت "لأنة لا يسحقة الى الابد"فقط حتى يصير صالحا للاستعمال...ولدهشة شفقة على النفس ألتقطت خوافة حجراً صغيرا ودفعتة نحوة فأسرع يجرى مبتعدا.
وهكذا مضت الايام عصيبة لأن خوافة كانت تمسك بيد أشجان والآم فلم تستطع ان تغطى أذنيها فقد اضطرت لسماع كل مشاكسات أعدائها وذات يوم حدثت كارثة....
وذات يوم حدثت كارثة ...فقد بدا أن الأعداء يستريحون قليلاً فأخذت خوافة تتجول وحدها دون حذر الى أن وصلت الى برزخ جبلى يمتد داخل البحر كلسان ولفزعها فوجئت بالأربعة الأعداء حولها ...لحسن الحظ كان البرزخ ضيق لا يسعهم جميعاً ولكن كبرياء تقدم قائلاً بوحشية:"نحن اربعة ولن تقدرى على الهروب منا وسوف نأخذك معنا الآن".
رفعت خوافة عينيها للسماء وصرخت:"الى متى تنسانى حتى متى تصرف وجهك عنى الى متى اردد هذة المشورات فى نفسى وهذة الأوجاع فى قلبى كل يوم،الذين يحزنوننى يتهللون ان أنا زللت أما انا على رحمتك توكلت".
وكم كانت صدمة الاوغاد الاربعة عندما وقف رئيس الرعاة أمامهم فى نفس اللحظة ...جرى ندم ومرارة وشفقة على النفس ولكن لأن كبرياء كان على وشك الهجوم على خوافة فقد وقع فى قبضة رئيس الرعاة الذى امسك بة ورفعة عالياً ثم طرحة الى اسفل فى البحر ...سألتة خوافة "هل تظن أنة مات؟" رئيس الرعاة :"لا..هذا غير ممكن" وألقى نظرة على البحر حيث كان كبرياء يعوم ناحية البر .
-خوافة:"يا راعى نفسى لماذا كنت سأقع فى يد كبرياء ثانية ولماذا فغروا على أفواههم كأسد مفترس مزمجر؟
-"يبدو لى يا خوافة"أجاب الراعى برقة "أن الطريقكان سهلاً فى الفترة الاخيرة...لقد نسيت لفترة أنك عبدتى المطيعة وبدأت تقلقين وتريدين العودة ولهذا تمكن الاعداء منك".
احمر وجة خوافة خجلاً ولم تنبس ببنت شفة لأنها كانت تعرف أن هذا التشخيص صحيح وردت بأسف :"أنت على حق لقد بدأت أظن أنك نسيت وعدك ولكنى أجدد عهدى معك...أنا عبدتك أحبك وأطيعك فى أى طريق تختارة لى".
أخذ رئيس الرعاة حجارة من جانب خوافة وقال"ضعى هذة مع الباقى كتذكار لهزيمة كبرياء وتجديد عهدك لى بالطاعة والانتظار بصبر".
مرت أيام على انتظار خوافة واستمرت فى الرحلة مع رفيقتيها وصباح ذات يوم وجدن أن الطريق الذى يسرن فية يتجة مرة أخرى ناحية المرتفعات ...التى بالطبع كانت بعيدة جداً.صفقت خوافة بيديها من الفرحة و أخذت تجرى ناحية المرتفعات كما لو لم تكن عرجاء .ولكن فجأة انحنى الطريق بزاوية حادة وامتد على مرمى البصر ووقفت خوافة فى ذهول!!! فها هو رئيس الرعاة يؤجل الوصول للمرتفعات مرة أخرى.
وعن قرب ظهر مرارة ...لم يقترب منها لأنة تعلم قليل من الحذر ولكنة أخذ يضحك ويضحك ضحكات مملوءة بالسخرية المرة وقال لها:"لماذا لا تضحكين أنت أيضاً يا عبيطة...كنت تعلمين أن هذا سيحدث" واستمر فى ضحكة حتى أمتلأ المكان بصوتة.
لحقت أشجان وآلام بخوافة ووقفتا بجانبها فى هدوء ثم قالت خوافة:
-"ماذا تريد أن تقول لى يا سيدى ؟تكلم فأن عبدتك تسمع".
فى الحال كان رئيس الرعاة يقف بجانبها وقال"لا تخافى تشددى وتشجعى..وابنى لى مذبحاً آخر وقدمى علية ارادتك وذاتك".
ففعلت خوافة كما أمر وقالت:
-"مشيئتك سررت أن أصنع" وجاءت نار والتهمت الذبيحة وسمع صوت رئيس الرعاة "هذا ليس للموت بل ليتمجد اسم اللة"التقطت خوافة الحجرة المتبقية من احتراق الذبيحة ووضعتها مع السابقين.
واتجهت فى الطريق الذى أرادة لها راعيها وأثناء سيرها التقطت زلطة أخرى تذكاراً لانتصارها على ذاتها وعلى أعدائها .وهكذا ساروا حتى وجدوا أنفسهم فى"غابة السلام" كانت مملوءة بالأشجار والنباتات المختلفة والزهور المتنوعة الجميلة والطيور المغردة التى تملأ المكان بأصواتها الرقيقة .ملأت السعادة نفس خوافة وتذكرت بذرة المحبة المزروعة فى قلبها وأرادت أن تلقى نظرة لترى اذا كانت حقاً تنمو؟!فنظرت داخل قلبها ورأت عشباً أخضر وفية ما يشبة برعم الزهرة ...فبكت لأنها تذكرت أن رئيس الرعاة قال لها أنة عندما تزهر زرعة الحب فى قلبك تصبحين مستعدة للذهاب الى المرتفعات ولكن ها هى بعيدة كل البعد عن المرتفعات . ولكنها لم تبك كثيراً لأنها لاحظت وجود زهرة جميلة فى أرض الغابة كتلك التى رأتها فى صحراء مصر...
أحنت الزهرة رأسها وقالت "أنا مطيعة" فأبتسمت خوافة وتمتمت "نعم لقد نسيت"
ثم بنت مذبحاً أخر وقدمت قلبها ومحبتها وطاعتها ومثل كل المرات التهمت النار ذبيحتها وأخذت خوافة الحجرة المتبقية وعندما وصلن للطرف الآخر للغابة صرخت خوافة من الفرحة اذ رأت رئيس الرعاة ينتظرها مبتسماً ...فجرت وسجدت عند قدمية قائلة :"أنا لحبيبى والى اشتياقة.حبيبى لى وانا لة الراعى بين السوسن"
-رئيس الرعاة :"جئت لأبشرك برسالة جديدة وهى أن تكونى مستعدة ...الآن تنظرى ما أنا أفعل "
-خوافة:"هل تعنى أنة قد حان الوقت لذهابى الى المرتفعات ظنت أنة هز رأسة ولكنة لم يجب بل نظر اليها بطريقة لم تفهمها فأعادت سؤالها فرد عليها قائلاً:
"أما قلت لك الآن تنظرى ما أنا أفعل؟!"
"وآخرون تجربوا فى هزء وجلد طافوا معتازين مكروبين مذلين"(عب36:11)
8
(جبل التجريح)
سارت خوافة بعد هذا وهى سعيدة جداً .ألم يعدها رئيس الرعاة بالصعود للمرتفعات قريباً؟!!
بعد قليل أخذ الطريق يصعد نحو الجبال المشعبة وفى صباح أحد الأيام وجدوا أنهم قد وصلوا لقمة جبل صغير وكانت القمة عبارة عن مساحة واسعة من الارض المستوية وفى الناحية الأخرى بداية لسلسلة أخرى من الجبال أعلى بكثير من ذلك الذى يقفون على قمتة فى تلك اللحظة .فأدركت خوافة أنها تنظر الى حدود المرتفعات .سقطت على ركبتيها وأحنت رأسها وشكرت ،فى تلك اللحظة نسيت كل الشقاء والتعب وألالم الذى تعرضت لة.بعدها قامت خوافة من ركوعها وأخذوا فى عبور هذة المنطقة بسرعة لأنة رغم ارتفاعها فقد كانت مستوية حتى وجدوا أنفسهم عند سفح الجبال العالية .صعقت خوافة من رؤية شدة ارتفاع الجبال وتوقعت أن ترى طريق ممهد للصعود عليها ولكنها لم تجد.نظرت خوافة بذهول وكلما نظرت زاد شعورها بالخوف حتى بدأت ترتعش. كانت الجبال تحيط بهم من كل ناحية حتى بدأ أن الطريق الوحيد الممهد هو طريق الرجوع!!!
ولكن آلام أمسكت بيد خوافة وأشارت الى غزال وايل ظهرا من مكان ما بين الصخور بجانبهم وبدءا الصعود...ووقف الثلاثة ينظرن !!كان الطريق شديد التعرج وفى بعض الأحيان ضيق جداً وفى أماكن متقطع وغير متصل ببعضة فكان الغزال والايل يقفزان برشاقة ليستكملوا مسيرتهما حتى وصلوا الى القمة واختفيا عن الأنظار "ها هو الطريق لقد أوضحة لنا الغزال والايل لن نعود للوراء"هكذا قالت أشجان مشجعة .
-خوافة:"لا.....لا....هذا مستحيل أنة طريق للايل وليس للبشر لا أقدر على الصعود هكذا فسوف أسقط وأتحطم".
وبدأت ترتجف وتبكى بطريقة هيستيرية واكملت:"مستحيل مستحيل......لن أذهب للمرتفعات بعد كل هذا".حاولت رفيقتاها أن تقولا لها شيئاً ولكنها وضعت يديها فوق أذنيها حتى لا تسمع و أخذت تبكى من جديد.
-ها ها ها وأخيراً التقينا مرة أخرى يا خوافة !!كيف حالك الان ؟سعيدة؟؟!!.
التفتت خوافة ناحية الصوت ونظرت بفزع لقد كان "جبان"!!وأكمل "لقد توقعت هذا منذ البداية ...هل ظننت أنة يمكن أن تهربى منى الى الأبد ؟!!انك من عائلة الخوف وسوف أخذك لمكانك لتكونى فى أمان "
-خوافة:"لن أذهب معك".
-جبان:"اذن اختارى اما أن تصعدى على هذا الجبل ثم تقهرى فتنكسر عظامك أو ترجعى معى ".
-"خوافة ...تعرفين انة كاذب ...نادى على رئيس الرعاة حالاً."
هكذا قالت رفيقتاها...تمسكت خوافة بهما وقالت "أنا خائفة منة لأنة سيقول لى أنة يجب أن أذهب فى هذا الطريق الصعب الخطر لذا لا أقدر على مواجهتة ...أة ماذا أفعل؟..ماذا أفعل؟"
ربتت أشجان على كتفها قائلة:"لابد يا خوافة...لابد أن تنادى علية الآن وبسرعة".
-خوافة:"سيطلب منى أن أصعد ارادتى ذبيحة وأنا لا أقدر أن أفعل ذلك....لا أقدر هذة المرة".
ضحك"جبان"بانتصار وتقدم ناحيتها ولكن رفيقتيها أحاطتا بها ووضعتا نفسيهما بينة وبين ضحيتة.حينئذ نظرت أشجان الى آلام التى فهمت وهزت رأسها بالأيجاب وأخرجت سكين صغير ولكنة حاد جداً من منطقتها ووخزت خوافة التى صرخت من الألم وفعلت ما كان لابد لها أن تفعل منذ جاءت لسفح الجبل لقد صرخت"لماذا كثر الذين يحزنونى كثيرون قاموا على ...بصوتى الى الرب صرخت فاستجاب لى من جبل قدسة"
"لماذا يا خوافة"جاءها صوت رئيس الرعاة "تشددى أنا هو لا تخافى"
كان صوتة مملوء بالحب والقوة حتى أن خوافة شعرت بأن الحياة تدب فى كيانها مرة أخرى .
-رئيس الرعاة :"يا خوافة ...أخبرينى ماذا بك أنت خائفة هكذا ؟"
-خوافة:"انة الطريق الذى اخترتة لى ...انة يبدو مخيف ..اننى أشعر بالدوار كلما نظرت الية...انة للغزال والايل وليس لجبانة تعرج مثلى".
-رئيس الرعاة :"ولكن يا خوافة بماذا وعدتك عندما كنت لا تزالين فى وادى المذلة؟"
-خوافة:"وعدتنى بأنك ستجعل رجلى كالايل وتقيمنى على المرتفعات".
-رئيس الرعاة:"الطريقة الوحيدة ليكون لك ارجل الايل أن تذهبى فى طريقهم".أرتعشت خوافة وقالت ببطء:
-"لا أظن...لا أريد...لا أريد أرجل الايل اذا كان لابد لى من الصعود على هذا الجبل".
ولدهشتها ابتسم رئيس الرعاة وقال:
-بل تريدين...أنا أعلم ما فى قلبك أكثر منك...انك تشتهين أن تكون لك أرجل الايل وأنا أعدك بها...ماذا قلت لك أخر مرة؟.
-خوافة :قلت لى "انتظرى وانظرى ما أنا فاعلة"ولكنى لم أتخيل شىء هكذا ...اننى لست ايل ..ان هذا صعب جداً"
-رئيس الرعاة :"وأنا أحب أن أصنع أشياء صعبة ان اشتياقى هو أن أحول الضعف الى قوة والخوف الى ايمان والنقص الى كمال ...ان هذا عملى الخاص وسوف أحوّل خوافة الى..؟!!لننتظر ونرى ماذا ستكون!!
-خوافة هل تؤمنين بأننى سوف أغيّرك؟"
-"نعم".
"هل تدعينى أغيّرك؟"
-"نعم"
-"هل تظنى أنة من الممكن أن أتخلى عنك؟"
-"بالقطع لا ...أرجوكتمم ارادتكفى...لا شىء سوى هذا يهم".وككل المرات السابقة انحنت وركعت وقدمت ذاتها ذبيحة وأخذت الحجرة المتبقية ووضعتها فى كيسها ثم وقفت على رجليها منتظرة أن تسمع ارشادات رئيس الرعاة .
" والان يا خوافة أنت على سفح المرتفعات ومرحلة جديدة من رحلتك ستبدأ ...هذا الجبل اسمة جبل التجريح ويوجد جبال أصعب منة مثل جبل الكراهية وجبل الاتضطهاد وجبل الانتقام...ولا سبيل للوصول للمرتفعات الا اذا عبرت فوق واحد منهم وأنا اخترت لك هذا ...لقد تعلمت حتى الآن درس الطاعة وهو أول درس فى المحبة والآن يجب عليك أن تتعلمى الدرس الثانى أثناء صعودك على جبل التجريح لأنة لن يؤذيك أى شىء اذا تعلمتية".
بعد ذلك وضع رئيس الرعاة يدة فوق خوافة وباركها ثم نادى على رفيقتيها لأنهما كانتا دائماً تتركان رئيس الرعاة وخوافة أثناء حديثهما .أخذ رئيس الرعاة حبلاً ثم ربط بة أشجان ثم خوافة وأخيراً الام وهكذا كانت خوافة محاطة بمعونة رفيقتيها الشديدتين وحتى ان سقطت فسوف تستطيعان أن تجذباها الى اعلى.
أخرج رئيس الرعاة من جعبتة زجاجة صغيرة بها دواء منعش ومقوى وأوصاها أن تشرب منة لتشعر بالقوة .كان أسم الدواء هو"روح النعمة والتعزية"وحالما شربت خوافة نقطتين أو ثلاثة شعرت بحيوية جعلتها مستعدة للصعود دون تردد...ودعهم رئيس الرعاة قائلاً:
"سوف لن تقدرن على الوصول للقمة قبل انتهاء اليوم،لأنة وقت الغروب الآن -ولكن فى منتصف الطريق توجدمغارة وسط الصخور تستطعن أن تسترحن فيها.ولكن ان لم تصعدوا الآن فسوف يدرككن الأعداء ولعلى أحذركن بأنكن سوف تقابلنهم عند القمة".
عندما بدأت خوافة طريق الصعود،اكتشفت ولدهشتها الشديدة أن الطريق ليس بالصعوبة التى كان يبدو بها،صحيح كان ضيق وشديد الوعورة ولكن احساسها بأنها مربوطة بقوة لأشجان وآلام أعطاها احساس بالأمان ،كما حفظها من الدوار والسقوط"روح النعمة والتعزية".وشعرت أيضاً بأن رئيس الرعاة قريب منها جداً رغم أنها لم تكن تراة وعندما نظرت الى أسفل وجدت أعداءها الخمسة يتتبعونها بنظراتهم الحاقدة وهى تصعد الى أعلى ...حتى"الشفقة على النفس"الذى كان يبدو أقل خطورة منهم أخذ حجارة ليرشقها بها ولكنها كانت بعيدة عن مجال الرمى .وتذكرت تحذير رئيس الرعاة بأنها سوف تقابل أعداءها مرة أخرى عند وصولها للقمة.
وجدت خوافة أثناء صعودها أن المناطق التى كانت تبدو خطيرة من أسفل ممهدة وسهلة الى حد لم تكن تتوقعة .استمررن فى الصعود حتى وصلن الى المغارة التى قال عنها رئيس الرعاة فدخلن فيها ليبيتن ليلتهن.
استيقظت خوافة فجر اليوم التالى وأخذت تنظر حولها وتفكر "كم هو موحش هذا المكان لا يوجد فية أى كائن حى حتى ولو شجرة...هذة الصخور شكلها قاسى...تبدو كما لو كانت تنتظر فريسة لتمزقها"وفيما هى تفكر هكذا لفتت نظرها وردة حمراء تنمو على جذع رفيع جداً وتشق طريقها بصعوبة الصخور الصلبة حتى أنة لم يكن لها سوى ورقتين.
-خوافة:"ما اسمك أيتها الوردة الجميلة؟"
-الوردة:"اسمى سماح"فتذكرت خوافة كلمات رئيس الرعاة :"عند صعودك يجب أن تتعلمى الدرس الثانى فى المحبة".
-خوافة:"ولكن لماذا اسمك سماح؟"
-الوردة:"لأننى أبعدت عن صديقاتى وطردت من بيتى وسجنت فى هذة الصخور وتركت لأعانى من نتيجة أفعال الأخرين ولكننى تحملت ولم أجزع ولم أتوقف عن المحبة فهى التى ساعدتنى أن أشق طريقى وسط الصخور حتى أتمكن من رؤية وجة الشمس ،فلا يوجد شىء حولى يستطيع أن يحول انتباهى عنها انها تشرق على فتفرحنى وتعوضنى عن كل ما خسرتة.لا يوجد وردة فى العالم كلة تفرح بحالها وظروفها مثلى لأنى دائماً أردد"من لى فى السماء ومعك لست أريد شيئاً على الأرض".
نظرت خوافة الى الوردة الحمراء بغيرة وعرفت ما لابد أن تفعلة فسجدت وقالت :"يا سيدى...هوذا أنا عبدتك سماح".وعندما قالت هذا سقطت حجرة من جانب الوردة فوضعتها خوافة فى كيسها مع الأخريات .
رجعت خوافة الى حيث كانت أشجان وآلام فى انتظارها ليستكملن رحلتهن .وبعد مسيرة قصيرة أتين الى منزلق خطير مما أدى سقوط خوافة للمرة الاولى فجرحت جرحاً عميقاً ولحسن حظها أنها كانت مربوطة جيداً برفيقتيها والا لسقطت الى سفح الجبل وربما أودى ذلك بحياتها .وعندما تصورت خوافة ما كان ممكناً حدوثة لها ملأ الفزع قلبها وشعرت بدوار فجلست وأخذت تستغيث:"انى سأسقط...انى خائفة أغيثونى "قبضت أشجان بشدة على الحبل الذى يربطهما حتى لا تسقط خوافة وجاءتها آلام قائلة :"اشربى من روح التعزية الذى أعطاة لك رئيس الرعاة ".
-خوافة:"لا أعرف أين وضعت الزجاجة...اننى حتى غير قادرة عن البحث عنها"قالت هذا وارتمت فى أحضان آلام التى أخذت تبحث عن الزجاجة فى جعبة خوافة حتى وجدتها وأسالت بعض القطرات على شفتى خوافة فبدأت تتقوى وتستعد للوقوف .ولكن لأن ركبتيها كانتا قد جرحتا فقد سرن ببطء شديد وخوافة تتأوة وتشكى وتتذمر وبدا أنهم لن يصلن للقمة قبل حلول الظلام ...فقالت لها آلام :"خوافة ...ماذا كنت تفعلين هذا الصباح عندما تجولت وحدك خارج المغارة؟".
احمر لون خوافة خجلاً وأجابت:"كنت أتأمل وردة جميلة!!"
-ألام:"وما اسم الوردة يا خوافة؟"
-خوافة بصوت هادىء خجول:"اسمها سماح"وسكتت لأنها أدركت أنها لا تمارس ثانى درس فى المحبة.ثم قالت بعد قليل:"هل يمكن أن أضع بعض من الدواء على ركبتى؟".
أجابت أشجان وألام:"جربى".
وعندما وضعتا بعض من الدواء على ركبتيها توقف النزيف وقل الألم ...ولذلك مشين بسرعة أكبر حتى تمكن من الوصول للقمة وقت الغروب فجلسن ليسترحن فوق العشب الأخضر وتحت ظلال أشجار الأرز...
هنا سمعن صوتاً جميلاً ينشد:
"كلك جميل يا حبيبتى ...ليس فيك عيب هلمى معى من لبنان...يا عروس معى من لبنان.
انظرى من رأس أمانة ...من رأس شنير و حرمون من خدور الأسود...من جبال النمور."ومن بين الأشجار ظهر رئيس الرعاة أتياً نحوهن.
"بأسفار مراراً كثيرة بأخطار سيول وبأخطار فى البرية ...فى تعب وكد."(2كو27،26:11)
9
(فى غابة الخطر والرعب)
يا لة من فرح ذلك الذى استقبلن بة رئيس الرعاة حينما جاء وسطهم وبعد أن هنأهن بحرارة على صعودهن قمة جبل التجريح وضع يدة على جراحات خوافة وفى الحال التأمت .ثم بدأ يكلمهن عن الطريق الذى سيسلكنة ."الآن يجب عليكن أن تجتزن هذة الغابة التى أمامكن واسمها(غابة الخطر والرعب)فيها ينمو شجر ألأرز بكثرة لدرجة أنة يحجب أشعة الشمس فيغطى الغابة الظلام وتهب العواصف الكثيرة ولكن لا تهتمن لأنة لن يؤذيكن شىء ما دمتن سائرات حسب ارادتى".
كان شيئاً غريباً أن تجزع خوافة ثانية بعد أن اجتازت تجربة صعود جبل التجريح ولكن هذا ما حدث "غابة الخطر والرعب؟ الى أين ستقودنى ثانية بعد هذا؟!".قالت خوافة بانزعاج.
-رئيس الرعاة :" انها المرحلة التالية فى طريقك للمرتفعات ".
-خوافة:"لست أدرى كيف تريدنى أن أصعد الى المرتفعات وأنت تعلم أن رجلى مازالتا عرجاوتان ...لماذا تهتم بى هكذا؟! لماذا لا تتخلى عنى وتتركنى ؟! فأن صعودى للمرتفعات أراة مستحيلاً ".
نظر اليها رئيس الرعاة بجدية"انظرى الى يا خوافة...هل تعتقدينأننى أخدعك ؟هل وعدت ولم أتمم أو تكلمت ولم أفعل؟"
ارتعدت خوافة وأجابت بندم :" حاشا بل لتكن أنت صادقاً وكل انسان كاذباً".
فلما رأى رئيس الرعاة أنها أجابت بندم تحنن عليها وقال"أنا سأقودك خلال المخاطر ...لا تخافى لأنى أنا معك...ان سرت فى وادى ظل الموت فلا تخافى شراً لأن عصاى وعكازى هما يعزيانك .لا تخافى من هول الليل ولا من سهم يطير فى النهار ولا من أمر يسلك فى الظلمة ولا من شيطان الظهيرة يسقط عن يسارك ألوف وعن يمينك ربوات أما أنت فلا يقتربون اليك".
فسجدت خوافة عند قدمية وبنت مذبحاً وقالت:
-"أن سرت فى وادى ظل الموت فلا أخاف شراً لأنك أنت معى".
ابتسم لها رئيس الرعاة معزياً اياها قائلاً :
-يا خوافة لا تتركى خيالك يلعب بك ويرسم لك أخطاراً غير موجودة و أحذرك بأن أعداءك كامنون لك خلف الأشجار...فأذا تركت "جبان" يصور لك مخاوف فستصيرين فى رعب شديد.ثم أخذ حجرة أخرى وأعطاها أياها لتحتفظ بها ثم باركهن وودعهن ليسرن فى طريقهن ...بعد لحظات وجدن"شفقة على النفس"يطل من خلف شجرة ويصرخ"ما هذا يا خوافة ؟...ما هذا الذى يفعلة بك وأنت ضعيفة؟ ...يجعلك تسيرين فى طريق لا يسلكة الا الرجال الأبطال؟!".
- بعدة قال"ندم"و كأن الأرض أنشقت عنة :"ثم أنة لم يكن هناك داع أن يجعلك تسيرين فى هذا الطريق الخطر الذى يليق بالشهداء مع أنة يوجد طرق سهلة كثيرة...قولى لة أنك لن تسيرى فى هذا الطريق الصعب".
بعدهما قال "جبان"متهكماً:" ألعلك تظنين نفسك بطلة صغيرة؟...انك حقاً لمجنونة".
انبرى بعدهم مرارة قائلاً:" تماماً كما قلت لك كلما انتهيت من رحلة صعبة قادك الى طريق أصعب".
أخيراً تكلم كبرياء رغم أنة كان لا يزال يقاسى من أثر السقطة التى نالها على يد رئيس الرعاة "أنت تعرفين أنة لن يهدأ حتى يذلك ويهينك لأن هذا ما يسمية بالتواضع ...انة سيذلك حتى التراب يا خوافة".وبعد مدة عندما رأى الأعداء أنها لا تتأثر بكلامهم فارقوها الى حين".
فى البداية لم تكن الغابة موحشة ومرعبة كما يبدو من اسمها...ربما كان ذلك بسبب الهواء النقى وبعض من أشعة الشمس التى تسربت من خلال فروع الاشجار ولكن هذا لم يدم طويلاً فلم يمض وقت طويل حتى غطت السحب السوداء الكثيفة وجة الشمس وظهر برق يشق عنان السماء وتبعة أخر ثم رعد مدوى وهطلت الأمطار وارتجت الغابة تحت وطأة العاصفة.أما الغريب حقاً فهو أن خوافة لم تكن تشعر بأى نوع من الخوف بل أخذت تردد فى نفسها "يسقط عن يسارك ألوف وعن يمينك ربوات أما أنت فلا يقترب أليك الشر".وبعد فترة بدأت العاصفة تهدأ ورأوا جبان يجرى ناحيتهم ويصيح بأعلى صوتة"ارجعوا من الطريق الذى أتيتم منة فأن العاصفة القادمة ستكون أسوأ"...
وعلى غير توقع قالت خوافة لرفيقتيها:" افعلا مثلى فأنى لم أعد أحتمل هذا الجبان"
ثم انحنت وأخذت حجارة من الأرض وبدأت ترشق بها جبان فضحكت رفيقتاها لأول مرة وفعلن مثلها فظهر أعداءها الخمسة من خلف الأشجار التى كانوا يختبئون وراءها وأخذوا يفروا هاربين.
أكملت خوافة ورفيقتاها سيرهم حتى وجدن كوخاً صغيراً مبنياً فى وسط الغابة فذهبن تحاهة ووجدن علامة رئيس الرعاة مرسومة على الباب ففرحن جداً ودخلن ليسترحن.
وفيما هن جالسات فى هدوء بدأت العاصفة وبصورة أشد وأخطر حتى أن الكوخ كان يهتز وفكرت خوافة فى نفسها:"ان التواجد تحت سقف الكوخ يبعث فى نفسى سلاماً لم أكن أتوقعة رغم شدة الأخطار من العاصفة فى الخارج...ان هذة أكثر اللحظات المملوءة سلاماً منذ بدأت رحلتى حقاً ان الساكن فى ستر العلى فى ظل الة السماء يبيت".
وخلال تلك الأيام التى أمضينها فى الكوخ شعرت خوافة أنها تحب أشجان وألام كما لو كانتا صديقتين عزيزتين عليها.وذات يوم وجدت آلام تنشد هذا النشيد:"ما أجمل رجليك بالنعلين يا بنت الكريم.
من هذة الطالعة من البرية مستندة على حبيبها.
من هى المشرقة مثل الصباح جميلة كالقمر طاهرة كالشمس مرهبة كجيش بألوية".
-خوافة:"ما أجمل هذا النشيد يا آلام أرجوك علمينى أياة ..انة يذكرنى بالموعد بأن تكون رجلى كالأيل "كررت آلام النشيد عدة مرات حتى حفظتة خوافة عن ظهر قلب وأخذت ترددة طوال الوقت.
+ + +
"ولكن ان كنا نرجو ما لسنا ننظرة فأننا نتوقعة بصبر"(رو25:
10
(فى الضباب)
بعد عدة أيام هدأت العاصفة وحان الوقت لأستكمال الرحلة ولكن رغم ذلك استمر وجود ضباب كثيف جداً يحيط بكل شىء فلم يرين سوى جذوع الأشجار التى بجانبهن واستمر هذا الحال عدة أيام حتى نفذ صبر خوافة وقالت:
-"ياة ألن يتغير هذا الجو المقبض؟"
وهنا سمعت صوتاً كانت تعرفة جيداً وهو صوت ندم :"لا لن يتغير بل سوف يزداد سوءاً .ثم ألم تلحظى أن الطريق لا يصعد الى أعلى انك تطوفين حول الجبل لأنك ضللت الطريق الصحيح".
فكرت خوافة فى نفسها أن كلام ندم صحيح وقالت لرفيقتيها"هل تظنان أننا ضللنا الطريق بسبب الضباب؟".
-أجابتاها باقتضاب :"لا تسمعى لصوت ندم ".
وهنا جاء صوت مرارة قائلاً :
-"على الأقل ارجعى مسافة بسيطة لترى ان كنت ضللت الطريق أم لا بدلاً من أن تسيرى مسافة طويلة فى طريق خاطىء".
-خوافة:"أظن أنة يجب أن نسمع لنصيحتة هذة المرة"
-أشجان :"اذا كنا فى الحقيقة نطوف فى دائرة فسوف نرى الطريق الصحيح فى الدورة القادمة".
-همست الشفقة على النفس :"يا مسكينة يا خوافة انك تضيعين وقتك يوماً بعد يوم بلا فائدة".
وهكذا استمرت همساتهم وايحاءاتهم تملاً الجو حول خوافة ورغم أنها كانت تعرف أنهم يكذبون الا أن ذلك لم يمنعها من التعثر المتكرر .
وأخيراً قررت أن تنشد النشيد الذى علمتة اياها آلام حتى لا تسمع همسات أعدائها .وما أن انتهت حتى سمعت صوتاً يهتف بفرح:"أين تعلمت هذا النشيد يا خوافة؟".
لم تتمالك خوافة نفسها من الفرح عندما رأت رئيس الرعاة قادماً نحوهم فأخذت تجرى لتقابلة وانقشع الضباب فجأة وأشرقت الشمس.
-رئيس الرعاة "أخبرينى يا خوافة أين تعلمت هذا النشيد؟".
- خوافة :"آلام علمتنى أياة ".
-رئيس الرعاة :"انة جميل جداً ولذلك سأضيف علية بعض الأبيات"دوائر فخذيك مثل الحلى صنعة يدى صناع .لقد شبهتك يا حبيبتى بفرس فى مركبات فرعون ما أجملك وما أحلاك أيتها الحبيبة باللذات كلك جميل يا حبيبتى ليس فيك عيب .
لقد كنت أسير وراءك طوال هذة الفترة وسعدت لأنى رأيتك تنشدين".
احمر وجة خوافة خجلاً لأنها أدركت أنة كان يرى تعثرها وضعفها ونظرت الية بأستعطاف
-رئيس الرعاة :"يا خوافة ألم تدركى بعد اننى كلما نظرت الى ضعفك وتعثرك فى الطريق الصعب أتطلع الى اليوم الذى ستكونين فية على المرتفعات بلا عيب ...اننى أريدك أن تتعلمى الجزء الذى أضفتة لك فى النشيد".
-خوافة :"نعم يجب أن أنشد لهذا الصانع الماهر الذى يتعب معى كثيرا".
-رئيس الرعاة :"ها كنت تعتقدين أننى كنت سأتركك تضلين الطريق دون أن أنبهك وأحزرك؟؟".
-خوافة :"لقد كانوا يصرخون فى وجهى وكدت أصدقهم".
-رئيس الرعاة :"أنصحك بترديد الأناشيد التى تعرفينها فهذا يصم أذنيك عن وشايتهم ...بالمناسبة هل تجدين أشجان وآلام رفيقتين جيدتين؟"
-خوافة :"نعم !!لم أكن أتخيل أننى سأحبهما ولكن هذا ما حدث .. فلولا وجودهما معى لما استطعت الوصول الى هنا".
-رئيس الرعاة بنبرة جادة:"خوافة هل تحبيننى لدرجة الثقة بى تماماً؟".
أدركت خوافة بأنة يعدها لمرحلة صعبة أخرى قادمة فأجابت بصوت منخفض:
-"أنت تعلم أننى أحبك على قدر طاقة قلبى الصغير كما تعلم أننى أثق بك وأتمنى أن أحبك و أثق بك أكثر وأكثر ".
-رئيس الرعاة :"وهل تظلين واثقة حتى لو قال لك العالم كلة أننى أخدعك وقد كنت أخدعك طوال رحلتك؟".
نظرت الية بتعجب وقالت:"نعم أثق بك لأنى أعلم أنك لا تخدعنى ...اننى أخاف كثيراً ولكن فى داخلى أعرف حبك الكثير لى يا راعى ..فأن يمينك تعضدنى ولطفك يعظمنى".
لم يرد رئيس الرعاة وسكت لبرهة ونظر اليها بحب وشفقة ثم قال بهدوء شديد "افترضى يا خوافة اننى أخدعك بالفعل...ماذا تفعلين؟!
سرت برودة ورعشة فى كيان خوافة...هل يمكن أن يكون هذا صحيح ؟هل ستحبة بعد هذا؟ هل ستعيش بدونة؟ هل ستفقدة؟ وهنا انفجرت فى البكاء ثم رفعت وجهها وقالت:
-"يا سيدى أن أردت أن تخدعنى فليكن...لأنة من مثلك أنت الذى أريتنى ضيقات كثيرة وردية...تعود فتحيينى ومن أعماق الأرض تعود فتصعدنى ...تزيد عظمتى وترجع فتعزينى".
وضع رئيس الرعاة يدة على رأسها بحنان ورفق لم تشعر بة خوافة من قبل ثم انصرف بدون كلمة واحدة.فأخذت خوافة من الأرض حيث كان واقفاً زلطة باردة جداً ووضعتها مع الباقى وذهبت لتستكمل الرحلة مع رفيقتيها.
"لكن ما كان لى ربحاً فهذا قد حسبتة من أجل المسيح خسارة"(فى7:3)
11
(وادى الخسارة)
بعد مدة قليلة ولصدمتهن الشديدة وجدن الطريق ينحدر الى أسفل الى سفح الجبل...تماماً كما حدث فى بداية الرحلة عندما انحدر الى أرض مصر.
توقف الثلاثة ونظرن بعضهن الى بعض ثم الى الوادى ووجدن أنة فى الناحية الأخرى جبالاً أعلى من جبل التجريح.
فى تلك اللحظة اختبرت خوافة أشد وأفظع ألم عرفتة طوال الرحلة ...لقد كن على وشك الوصول للمرتفعات ولكن الآن يجب عليها أن تنزل وكأنها تبدأ رحلتها من جديد....وكأن كل تجاربها ضاعت هباء وتعبها ذهب أدراج الريح.
تجمد قلب خوافة داخلها وفكرت...كيف تستطيع أن تتبع من يطلب منها كل هذة التضحيات وللحظة السوداء فكرت أن تكف عن أتباع رئيس الرعاة!!!....لم يكن هناك داعى ...لقد سارت فى هذا الطريق لأنها ارادتة ولكنة لم يكن الطريق الذى تحب أن تسلكة...ربما كان أقرباؤها على حق...يجب أن تنهى آلامها وأشجانها فى الحال وتكف عن أتباع رئيس الرعاة وتختار طريقها بنفسها وبدونة....هنا صرخت وكأنها رأت الجحيم بعينة ونادت...
"ارحمنى لأنى ضعيفة اشفنى لأن عظامى قد اضطربت ونفسى قد انزعجت جداً عد ونج نفسى".وفى اللحظة التالية كانت خوافة تمسك براعيها وتبكى وتقول "افعل أى شىء...اطلب منى أى شىء...فقط لا تدعنى أتركك...لا تعطنى أى شىء وعدتنى بة....فقط لا تدعنى أتركك".رفعها رئيس الرعاة من على الأرض حيث كانت تمسك بقدمية ومسح دموعها بيدة وقال لها بصوتة الحنون القوى :
-"لا تخافى...حتى ذاتك لا تستطيع أن تأخذك منى...دعوتك بأسمك أنت لى.هوذا على كفى نقشتك...ألم تتعلمى الدرس حتى الآن...هذا التأجيل ليس للموت بل ليتمجد اسم اللة...ما أنا فاعلة الآن لست تفهمينة لكنك ستفهمينة فيما بعد.خرافى تسمع صوتى وتتبعنى ...انها ارادتى أن تنزلى الى هذا الوادى الآن ولك وعد جديد منى وهو(أذناك تسمعان كلمة خلفك قائلة هذة هى الطريق اسلكى فيها حينما تميلين الى اليمين وحينما تميلين الى اليسار)والآن يا خوافة هل تتخلين عن كل ما أحرزتية حتى الآن فى هذة الرحلة وتقبلى النزول لوادى الخسارة فقط لأن فى هذا ارادتى؟".
كانت لا تزال مستندة على ذراع رئيس الرعاة وقالت من كل قلبها كلمات قالتها سيدة أخرى من قبل..."لأنة حيثما ذهبت أذهب وحيثما بت أبيت شعبك شعبى والهك الهى حيثما مت أموت وهناك أندفن هكذا يفعل بى الرب وهكذا يزيد انما الموت يفصل بينى وبينك".
وهكذا بنى مذبحاً اخر على قمة وادى الخسارة وزاد عدد الحجارة فى كيس خوافة واحدة وفى طريق النزول بدأت أشجان وآلام نشيداً جميلاً قائلتين:
-"أين ذهب حبيبك أيتها الجميلة بين النساء أين توجة حبيبك فنطلبة معك؟".
-وردت خوافة:"حبيبى نزل الى جنتة الى خمائل الطيب ليرعى فى الجنات ويجمع السوسن أنا لحبيبى وحبيبى لى الراعى بين السوسن".
-أخيراً أجابهن رئيس الرعاة :"أنت جميلة يا حبيبتى كترصة حسنة كأورشليم مرهبة كجيش بألوية.حولى عنى عينيك فأنهما قد غلبتانى".
ورغم شدة انحراف الطريق فانة بدا سهلاً لأن خوافة أرادت أن تنفذ ارادة رئيس الرعاة بكل طاقتها لتفرحة...لقد أدركت أن فى قلبها اشتياق ليس للأشياء التى يعطيها اياها رئيس الرعاة ولكن اشتياق وحب لشخصة هو فقط وليس سواة.لا شىء سوى حبة حتى فى الالام والأحزان والخسارة لأن الوجود فى حبة والعدم فى غيابة.
وهكذا وصلن الى الوادى بسرعة ووجدتة خوافة مكاناً جميلاً جداً وكأنة حديقة كبيرة بديعة مملوءة سلاماً وهدوءاً يبعث فى النفس أماناً وطمأنينة".
وأثناء سيرهن فيها كن ينشدن:تعال يا حبيبى لنخرج الى الحقل ولنبت فى القرى .لنبكرن الى الكروم...لننظر هل أزهر الكرم...هل تفتح القعال هل نور الرمان...هناك أعطيك حبى اللفاح يفوح رائحة وعند أبوابنا كل النفائس من جديدة وقديمة ذخرتها لك يا حبيبى ".
أما أكثر شىء كان يفرح خوافة فهو وجود رئيس الرعاة بجانبها معظم الوقت.وذات يوم قال لها:"أنا سعيد بأنك تستمتعين بوجودك هنا.ان المذبح الذى بنيتة ساعدك كثيراً فى تقبل وجودك فى وادى الخسارة".قال هذا ونظر اليها نظرة كانت خليط من الرأفة والأصرار...فقالت خوافة فى نفسها
-"ترى ماذا سيفعل بى بعد كل هذا ...انة لن يترك فى نفسى أى ضعف أو نقص ...هل سأحتمل ما سيفعلة بى؟!!"...تفكرت فى هذا لأنها كانت لا تزال ...خوافة.
"ها أنا أنظر السموات مفتوحة وابن الأنسان قائم عن يمين اللة .واذ قال هذا رقد"(أع 7)
12
(التجلى)
أما ما فعلة رئيس الرعاة بعد ذلك فقد كان شيئاً رائعاً .اذ بعد مدة قليلة من الحديث الذى دار بينة وبين خوافة أتين الى نهاية الطريق الذى عبر بهم وادى الخسارة حتى سفح جبال أعلى و أعتى من جبل التجريح...ووجدن رئيس الرعاة يقف بجانب مركبة معلقة تربط بين سفح الجبل وقمتة .كانت خوافة على وشك الأعتراض من الخوف ولكن رئيس الرعاة قال لها:"هيا يا خوافة اركبى وسأركب بجانبك ونصل الى المكان الذى أريدة بدون تعب أو مجهود ".....
وعندما وصلوا لقمة الجبل نزلت خوافة من المركبة لتجد نفسها فى مكان من أجمل الأماكن التى مرت بها...صحيح لم تكن قد وصلت الى مملكة الحب ولكن هذة هى الحدود،مكثوا عدة أيام فى هذا المكان الرائع ليستريحوا من عناء الرحلة...وفى بعض الأحيان كان الضباب الذى يحيط بالمرتفعات كستارة كثيفة ينقشع فيبصرون المرتفعات لفترة قصيرة ،لكنها كانت كافية ليتأكدوا من وجودها.
وفى آخر يوم لهم فى هذا المكان أخذ رئيس الرعاة خوافة الى مكان مرتفع وتجلى أمامها بصورتة الملكية فتأكدت خوافة أن رئيس الرعاة هو نفسة ملك المحبة فسجدت لة....
عندئذ مد يدة ورفعها ثم قادها الى حيث يوجد مذبح ذهبى لم تقدر خوافةعلى النظر الية لأن أشعة الشمس كانت تنعكس علية متوهجة...وهنا أخذ ملك المحبة قطعة جمر ومسَّ بها شفتى خوافة قائلاً :"أن هذة قد مست شفتيك فانتزع اثمك وكفر عن خطيتك".
ثم أخذها رئيس الرعاة وأراها مملكة الحب من بعيد قائلاً:
-"لقد أريتك لمحة من المملكة التى سأخذك اليها.فى الغد تبدأين أنت ورفيقتيك آخر مرحلة فى الطريق ثم أضاف برقة بالغة:"لك قوة يسيرة وقد حفظت كلمتى ولم تنكرى اسمى هأنذا أجعل الذين من مجمع الشيطان يأتون ويسجدون أمام رجليك ويعرفون اننى أنا أحببتك...تمسكى بما عندك لئلا يأخذ أحد اكليلك.من يغلب فسأجعلة عموداً فى هيكل الهى ولا يعود يخرج الى خارج وأكتب علية اسم الهى واسمى الجديد".
استجمعت خوافة شجاعتها وسألت:"هل آن الأوان لتكمل وعدك؟وهل الوقت قريب؟"
-رئيس الرعاة :"نعم يا خوافة...قريب جداً تشجعى وافرحى لأننى سأعطيك اشتياق قلبك".
ثم بعد ذلك أتوا الى حيث أشجان وآلام فباركهن رئيس الرعاة وصرفهن.ولكن أشجان وآلام سجدتا وقالتا :"ما أسم هذا المكان الذى نحن فية الآن؟".
-أجابهن بصوت منخفض وهادىء:
"الى هذا المكان أحضر أحبائى لتطييبهم استعداداً لدفنهم".لم تسمع خوافة هذا الكلام لأنها سبقت فى الطريق بسبب فرحتها الشديدة وكانت تقول لنفسها "لقد قال لى تشجعى وافرحى لأننى سأعطيك اشتياق قلبك".
"فأنى أنا الآن أسكب سكيباً ووقت انحلالى قد حضر"(2تى6:4)
13
(أرض المريا)
سرن عدة أيام حتى وصلن الى بيت خشبى مبنى على هيئة فلك فدخلن فية ليسترحن وتناولن خبزاً وكأساً من عصير الكرمة من على المائدة التى هيأها لهم أحد الشيوخ من خدام رئيس الرعاة .
وتلك الليلة استيقظت خوافة فجأة على صوت يناديها:
-"خوافة".
-هأنذا.
الصوت:"خوافة" خذى ذاتك التى تحبينها وحياتك الأرضية -واذهبى الى المكان الذى أرشدك أياة-وقدميهما هناك محرقة".
-خوافة:"ربى هل تقصد هذا فعلاً؟"
-"نعم يا خوافة وهلمى لأريك الموضع الذى سوف تقدمى فية الذبيحة".
قامت خوافة بهدوء حتى لا توقظ أشجان وآلام وذهبت الى الباب وعندئذ وكأن نافذة قد انفتحت فى الضباب وأضاء من خلالها القمر ورأت بداية شلالات المياة التى تنحدر على كل الجبل وتسقى كل الوديان بما فيها وادى المذلة وجاءها الصوت ثانية:
-"هذا هو المكان الذى سوف تقدمين فية ذبيحتك يا خوافة".
-خوافة:"هو ذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك".
بكرت خوافة صباحاً وأخذت رفيقتيها معها وقامت لتذهب الى الموضع الذى أُ علمت بة.فى اليوم التالى وجدن ينبوع ماء صغير وسمعت خوافة الصوت يقول لها :"اشربى من هذا الماء لتتقوى" فانحنت خوافة لتشرب وعندما ذاقت الماء صرخت قائلة:"ان هذا الماء مر جداً". ان شئت أن تجيز عنى هذة الكأس ولكن لتكن لا ارادتى بل ارادتك".
فسمعت الصوت قائلاً:" هناك شجرة تنمو بقرب الينبوع..اكسرى منها فرع والقية فى ماء مارة".
نظرت فوجدت شجرة شوك رفيعة فى كل ناحية منها ينمو فرع واحد...تماماً كذراعى صليب.قطعت جزء من الشجرة وعندما طرحتة فى الماء صار الماء عذباً فشربت وانتعشت واستعادت قواها...ومن جانب الينبوع أخذت الحجرة الثانية عشر.
وفى اليوم الثالث رفعت خوافة عينيها وأبصرت الموضع من بعيد...وفى منتصف النهار نحو وقت الظهيرة وصلن للمكان المحدد لتقديم الذبيحة.
"لاأعرفة وقوة قيامتة وشركة الامة متشبهاً بموتة"(فى 10:3)
14
(قبر على الجبال)
فجأة وجدن أنفسهن عند حافة هوة عميقة تقطع عليهن الطريق لمواصلة الرحلة...كان الضباب كثيفاً لدرجة أنهن لم يستطعن أن يتأكدن من عمق الهوة ولا حتى الحافة المقابلة لهن وبدت الهوة وكأنها قبر لا حد لة يفتح فاة ليبتلعهن.
-خوافة : ماذا سنفعل الآن؟هل نقفز للناحية الأخرى؟".
-أشجان وآلام:" لا ...ان هذا مستحيلاً يجب أن نقفز فى الهوة".
-خوافة : " لم أكن أدرك هذا...ولكن هذة هى الخطوة الصحيحة".ومدت يديها لرفيقتيها لتساعداها على القفز ولكنهما عندما تحققتا من ضعفها الشديد وارهاقها الواضح حملاها فيما بينهما ثم قفزا بها فى الهوة...ونظراً لقوة أشجان وآلام فقد تمكنتا من القفز والهبوط دون أن يسبب ذلك أى ألم لخوافة. عندما نظرن حولن لم يستطعن أن يرين شيئاً بوضوح سوى مذبح حجرى وبجانبة وقف شخص غير واضح الهيئة .
- خواقة :" هذا هو المكان المعين لتقديم الذبيحة".ثم ركعت عند المذبح وقالت :"يا سيدى هل تساعدنى الآن لأقدم الذبيحة التى أمرتنى بها؟".
ولأول مرة لم تكن هناك أى أجابة وتذكرت ما قالة مرارة ذات يوم :"فى يوم ما سيضعك على صليب ويتركك تعانى وحدك".
يبدو أن مرارة كان على حق ولكنها لم تعد تهتمبأى شىء سوى أن تتم مشيئة من تحب مهما كان الثمن .وهكذا ظلت راكعة ومنتظرة ...كانت تعلم أنة لن ينادى عليها ملاك ليأمرها بعدم تقديم الذبيحة ولكن هذا لم يخفها اذ كانت قد ثبتت وجهها لتنفيذ ارادة من تحب.
وبعدما انتظرت فترة ولم يحضر رئيس الرعاة حاولت أن تنزع ذاتها ولكن عند اللمسة الأولى شعرت وكأن ألماً حاداً سرى فى جسدها وأدركت أنها لن تقدر على تقديم الذبيحة بنفسها .
وهنا تحرك الشخص الواقف وراء المذبح وقال:"اذا أردت فسأساعدك ".
-خوافة:"شكراً لك ...من فضلك ساعدنى...ولكنى جبانة جداً وربما يؤدى الألم الذى سأشعر بة الى مقاومتك..
فأرجو أن تقيدنى على المذبح حتى لا أوجد مقاومة لمشيئة سيدى وهى تتم فى".
ساد الصمت برهة وأجابها :"حسناً قلت...سأربطك".
وأخذ ذراعيها وفتحهما ثم ربطهما وقيد رجليها فوق بعض وعندما انتهى نظرت خوافة الى أعلى نحو المرتفعات التى تراها وقالت:"ها أنا يا سيدى فى المكان الذى أرسلتنى الية أفعل ما أمرتنى بة...حيثما مت أموت وهناك أدفن".
ساد المكان صمت رهيب...صمت القبور...لأن خوافة فعلاً كانت فى قبر أمالها...لم تأخذ شيئاً من الوعود ...ولم تصل الى المرتفعات ولكنها رددت الوعد الذى بسببة قامت بهذة الرحلة " الرب السيد قوتى ويجعل قدمى كالأيل ويمشينى على مرتفعات ".
عند هذا مد الكاهن يدة وانتزع الحب من قلبها وأخرجة بكل جذورة ثم طرحة على المذبح وجاءت نار والتهمتة ولم يتبق منة شىء سوى رماد ...تملك سلام عميق على قلب خوافة وعندما كان الكاهن يفك قيودها حانت منها التفاتة ورأت والدة رئيس الرعاة الحنونة - تلك التى كانت تطلب منها فى غروب كل يوم من أيام عمرها لتكون بجانبها فى هذة الساعة - وعندما رأتها خوافة ابتسمت وأمالت رأسها وراحت فى نوم عميق.
"لأننا نعلم أنة ان نقض بيت خيمتنا الأرضى فلنا فى السموات بناء من اللة بيت غير مصنوع بيد.أبدى"(2كو1:5)
اخيراً
على المرتفعات
عندما استيقظت خوافة كانت الشمس تتوسط كبد السماء.نظرت خارج الكهف الذى وجدت نفسها ملقاة فية وحاولت أن تسترجع ما حدث لها....
كان المكان مملوء برائحة المر والطيب وأدركت أن الثياب المصنوعة من الكتان الأبيض النقى التى تلبسها هى المصدر.....وهنا تذكرت ما حدث فنظرت الى قلبها وأزاحت الضمادة ...ولدهشتها لم تكن هناك أى أثار للجراح أو الالام فى قلبها أو فى أى مكان آخر فى كيانها.
قامت بهدوء وخرجت خارج الكهف الذى كان منحوتاً فى صخرة كانت فى الهوة التى قدمت فيها ذبيحتها .كان المكان مضاء بنور باهر فبدا مختلفاً عما كان وسط الضباب الكثيف ورأت الزهور الجميلة تحيط بالمذبح والخضرة انها وجدت منبع النهر يبدأ من تحت المذبح ...قفز قلبها من الفرحة وملأ السلام العميق كيانها كلة.لم يكن هناك أى أثر لرفيقتيها أشجان وآلام .كانت وحدها مع الطيور المغردة والفراشات الملونة وهى تنتقل فرحة من غصن الى غصن ومن زهرة الى أخرى.
أخذت خوافة بعض الوقت لتتمكن من استيعاب الجو المحيط بها....ثم قامت وتقدمت نحو النهر و كأنة يجذبها الية.
وانحنت لتأخذ فى كفها بعض الماء وعندما لمستة بدا وكأن كيانها قد سرت فية تيارات من البهجة والسعادة مختلطة بشجاعة غامرة فدلفت الى النهر وأحست بفرح وغبطة لم تعهدها من قبل وكأن المياة قد بعثت فى نفسها نبضات الحياة.
وعندما صعدت من الماء شعرت أنة لم يعد فيها أى نقص من أى نوع وبسرعة حولت نظرها الى قدميها لتكتشف أنهما بلا عيب وأيقنت أن هذا هو النهر الذى لشفاء الأمم الذى تكلم عنة رئيس الرعاة فى بداية رحلتها.
جرت نحو النهر لترى وجهها فى المياة...لم تكد تعرف نفسها ...لقد اختفى الاعوجاج من فمها وأصبحت رائعة الجمال.
ولبثت قليلاً على هذة الحالة من السعادة ثم شعرت وكأن أحداً يناديها ...حقيقة لم تسمع اسمها وحقيقة أيضاً أنها لم تسمع صوتاً ولكنها شعرت بة فى قلبها وحاولت الخروج من الهوة ولكن كيف لها هذا والجبال تحيط بها من كل جانب.....
تكرر ما حدث يوماً عند جبل التجريح اذ جاء غزال وأيل وتقدماها فى الصعود وكأنهما يرينها الطريق وأين تضع قدميها ....ففعلت مثلهما وقفزت صاعدة ورائهما كأنها مثلهما وما هى الا لحظات حتى وجدت نفسها تعتلى قمة الجبل ..وهناك رأتة!! ..تماماً كما توقعت أن تراة...مملوء مجداً وكرامة وقوة.نادى عليها :"أنت يا ذات أرجل الأيل -تعالى هنا"
وجرت نحوة وسجدت أمامة...كان تاج ملوكى على رأسة ومتسربلاً بثوب الى الرجلين ومتمنطقاً عند ثديية بمنطقة من ذهب.
"أخيراً جئت وانقضى ليل البكاء وحل صباح السرور"قال لها هذا وأقامها من سجودها وأكمل "لقد حان وقت تتميم الوعد ...وأكتب عليها اسمى الجديد واسم الهى....الرب يعطى مجداً ونعمة ولا يمنع خيراً عن السالكين بالكمال ...وهذا هو اسمك الجديد من الآن فصاعداً تدعين " نعمة "...لنرى الآن هل أزهر الحب فى قلبك؟!
الوعد بأن تحبى عندما تزهر".
تكلمت نعمة لأول مرة منذ جاءت الى هذا المكان :" لا يوجد فى قلبى نبتة الحب مطلقاً لقد اقتلعها الكاهن من قلبى أثناء تقديم الذبيحة".
الملك :"لا يوجد زهرة الحب ؟! كيف ؟ وأنت على المرتفعات ولا أحد يدخل هنا بدو