يقول القديس سيرابيون تلميذ الأنبا أنطونيوس كاتب سيرة القديس مقاريوس الكبير عن التجربة الصعبة التي مرَّ بها القديس مقاريوس والتي رواها بنفسه للإخوة الرهبان شارحاً السبب الذي جعله أتى لوادي النطرون قائلاً :
لما كنت شاباً وعائشاً في قلايتي بريف مصر جاءوا واختطفوني ورسموني قساً على قرية و لم أكن أهلاً لهذه الوظيفة هربت إلى قرية بعيدة حيث كان يتردد عليَّ رجل بار يأخذ مني شغل يدي ويسد احتياجاتي .
وفي يوم من الأيام حدث أن بتولاً في ذلك المكان سقطت في الخطية وحملت في بطنها فلما أُشهرت سُئلت عَمَن فعل معها هذا الفعل فقالت " المتوحد ... !؟ " . وسرعان ما خرجوا عليَّ وأخذوني باستهزاء مُريع إلى الضيعة وعلَّقوا في عنقي قدوراً مُسودة وآذان جرار مسخَّمة و شهَّروا بي في كل شارع من شوارع الضيعة ، وجماعة الصبيان يجرون خلفي وهم يضربونني قائلين : إن هذا الراهب أفسد عفة ابنتنا البتول وفضحها أخزوه
وهكذا ضربوني ضرباً موجعاً قَربتُ بسببه من الموت إلى أن جاءني أحد الشيوخ فقال لهم : إلى متى هذه الأهانة ؟ أما يكفيه كل ذلك خزياً ولكن دون جدوى
أما الرجل البار الذي كان يعولني فكان يتبعهم من بعيد وهو خازي الوجه وكانوا يستهزئون به هو أيضاً قائلين :انظر ماذا فعل ذلك المتوحد الذي كنت تُحدثنا عنه بكل وقار
وكانوا يواصلون ضربي قائلين أنهم لن يسكتوا عن ذلك حتى يأتيهم ضامن يتكفل بإطعامها وتربية ولدها أي المرأة الحامل
فقال شيخ لخادمي : اضمنه فضمني .
ومضيت إلى قلايتي ودفعت إليه الزنابيل التي كانت عندي قائلاً : (( بعها وادفع ثمنها ل " امرأتي " لتأكل بها )).
وخاطبت نفسي قائلاً : (( كِدّ يا مقاره ، ها قد صارت لك امرأة )) فكنت أشتغل ليلاً ونهاراً وأتعب لها لأقوم بإطعامها .
فلما حان وقت ولادة الشقية ، مكثت أياماً كثيرة وهي معذبة وما استطاعت أن تلد . فقالوا لها : (( ما هو هذا ؟ )) فقالت (( إن كل ما أصابني كان بسبب أني ظلمت المتوحد واتهمته وهو بريء لأنه ما فعل بي شيئا قط ولكن فلان الشاب هو الذي فعل بي هذا )) .
فجاء خادمي إلىَّ مسروراً وقال :
(( إن تلك الشقية ما استطاعت أن تلد حتى اعترفت قائلة أن المتوحد لا ذنب له في هذا الأمر مطلقاً وقد كنت كاذبة في اتهامي له و هاهم أهل القرية كلهم عازمون على الحضور إليك يريدون أن يتوبوا إليك ويسألوك الصفح والغفران ))
فلما سمعت أنا هذا الكلام من خادمي أسرعت هارباً إلى الأسقيط وهذا هو السبب الذي لأجله جئت إلى جبل النطرون