تحدث القديس بولس الرسول عن المواهب المتنوعة " كما قسم الله لكل واحد مقداراً من الإيمان " " بحسب النعمة المعطاة لنا " ، فقال " أنبوة فبالنسبة إلي الإيمان . أم خدمة . أم المعلم ففي التعليم . أم الواعظ ففي الوعظ . المعطي فبسخاء المدبر فباجتهاد " ( رو 12 ك3-8 ) .
و هكذا جعل الخدمة في مقدمة هذه المواهب المتنوعة ، لكي يرينا بهذا أهميتها ...
ربنا يسوع المسيح نفسه ، قال عن ذاته " إن إبن الإنسان لم يأت ليخدم ، و يبذل نفسه فدية عن كثيرين " ( مر 10 : 45 ) . فإن كان السيد المسيح قد جاء ليخدم ، فماذا نقول نحن ، و أية كرامة تكون للخدمة إذن ؟ إن كان السيد المسيح أخذ شكل العبدليخدم البشرية ، فماذا يفعل البشر ؟
و كما جاء المسيح ليخدم ، هكذا رسله ايضاً كانوا خداماً ...
سواء من جهة الخدمة الروحية ، أو الخدمة الإجتماعية ...من الناحية الروحية ، قالوا عن أنفسهم لما أقاموا الشمامسة السبعة . "و أما نحن فنعكف علي الصلاة و خدمة الكلمة " ( أع 6 : 4 ) . و يقول القديس بولس الرسول عن هذه الخدمة الروحية ... و أعطانا خدمة المصالحة ... نسعي كسفراء عن المسيح ، كأن الله يعظ بنا . نطلب عن المسيح ن تصالحوا مع الله " ( 2 كو 5 : 18 ،20 ) . و يقول لتلميذه تيموثاوس " أعمل عمل البشر ، تمم خدمتك " ( 2 تي 4 : 5 ) . و في هذه الخدمة ، قال عن القديس مرقس إنه " نافع لي للخدمة " ( 2 ت 4 : 11 ) . أما من جهة الخدمة الأخري ، فيقول القديس بولس أيضاً :
" إن حاجاتي و حاجات الذين معي ، خدمتها هاتان اليدان " ( أع 20 : 34 ) .
و يمدح العبرانيين فيقول " لأن الله ليس بظالم ، حتي ينسي عملكم و تعب المحبة ... إذ قد خدمتم القديسن و تخدمونهم " ( عب 6 : 10 ) .
إن الآباء لم تكن لهم روح السيطرة ، بل روح الخدمة .
كانوا يخدمون الناس ، و يبذلوا أنفسهم عنهم . و في الكهنوت . كان كل من يرسم علي كنيسة ، يعتبر نفسه خادماً لهذه الكنيسة . يخدم السرائر المقدسة ، و يخدم الله ، و الشعب ... إن القديس أوغسطينوس أسقف هبو ، لما صلي لأجل شعبه ، قال " أطلب إليك يا رب ، من أجل سادتي ، عبيدك " . فاعتبر أن أفراد هذا الشعب ، الذي يخدمه كأسقف ، هم سادته .
و لم تكن كلمة (خادم ) مجرد لقب ، و إنما حقيقة واقعة .
و كان الاباء يتعبون في هذه الخدمة ، إلي اَخر نسمة ...
" في أسفار مراراً كثيرة ... في جوع و عطش ... في برد و عري ، في تعب و كد .. في أسهار ، في أصوام " ( 2 كو 11 : 26 ، 27 ) يسهرون لأجل النفوس ، كأنهم سوف يعطون حساباً " ( عب 13 : 17 ) . كانوا مثل الشموع ، التي تذوب ، لكي تعطي نوراً للآخرين . و ما أجمل قول الشيخ الروحاني في الخدمة " في كل موضع مضيت إليه ، كن صغير أخوتك و خديمهم " ... إن نزعة العظمة ، ليست دليلاً علي القوة ، بل هي حرب .
أما القوي ، فهو الذي يدرب نفسه ، علي أن يكون خادماً .
القديس الأنبا صرابامون أبو طرحة ، كان و هو اسقف ، يحمل الطعام إلي بيوت الفقراء ، في الليل في الخفاء ، و يقرع أبوابهم ، و يترك ما يحمله أمام الباب و يمضي ، و هو سعيد بخدمته. و الأنبا موسي الأسود ، كان يحمل الماء إلي قلالي الرهبان . و القديس بينوفيوس ، كان يدرب ذاته علي أن يقوم في الدير بالخدمات الحقيرة التي لا يقبل عليها الكثيرون ، مثل تنظيف دورات المياه و كنس الدير ، و حمل القاذورات خارجاً ، و سائر عمليات التنظيف ...
و الآباء كانوا يقومون بهذه الخدمات في فرح ، بلا تذمر ...
بل كانوا يتطوعون لهذه الخدمة ، دون أن يطلبها منهم أحد ... و كانوا يقومون بها بكل تواضع قلب ، سعداء بخدمة اخوتهم . قديس يري رجلاً مجذوماً ، فيحمله إلي قلايته ، و يخدمه و ينفق عليه مدة ثلاث اشهر ، لكي ينال بركة خدمته . و ما أكثر الآباء ، الذين بصبر كثير ، فرغوا أنفسهم فترات طويلة لخدمة المرضي ، و خدمة الشيوخ ، كما فعل يوحنا القصير ، مع ابيه الشيخ الأنبا بموا ، في إحتمال عجيب ، حتي تنيح بسلام ، و نال بركته . و قال عنه الأنبا بموا " هذا ملاك لا إنسان " .و كان الآباء ، إن رأوا أحداً مرهقاً في عمل ، يمدون أيديهم في محبة ليحملوا العبْ عنه ، كما قال الرب " تعالوا إلي يا جميع المتعبين و الثقيلي الأحمال و أنا أريحكم " ( مت 11 : 28 ) .